الخشوع لله سبحانه
(ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم، وكثير منهم فاسقون).
وفي صحيح مسلم عن أبن مسعود قال :ماكان يبن إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } إلا أربع سنين
لخشوع:ضراعة القلب، وطمأنينته وسكونه لله (تعالى)، وانكساره بين يديه، ذلاّ، وافتقاراً، وإيماناً به وبلقائه.
ومحل الخشوع: القلب، وثمرته: تظهر على الجوارح، ولذا قيل: إذا ضرع القلب، خشعت الجوارح، وذلك لأن القلب مَلِك البدن، وأمير الأعضاء، تصلح بصلاحه، وتفسد بفساده، فيمثل الخشوع إذن: الانقياد التام لأوامر الله ونواهيه، والعكوف على العمل من غير توانٍ ولا فتور.
منزلة الخشوع من الإيمان:
الخشوع من الإيمان؛ الذي هو في القلب، وإنما يزيد الإيمان بحياة القلب، وذلك بالاشتغال بالعلم النافع والعمل الصالح، كما أنه ينقص بمرض القلب، ويذهب بموته، وذلك بالانصراف إلى الشبهات والشهوات، فعلى المسلم أن يتعاهد قلبه في جميع أحواله ليدفع عنه القسوة؛ فإنها إذا استبدت به منعته الخشوع.
قراءة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وسماع صوت كأزيز المرجل من صدره الشريف.
بكاء الصحابة حتى تبتل لحاهم
مكانة الخشوع وفضائله:
والخشوع علم نافع؛ لأن العلم النافع ما أوجب خشية القلوب، لذا: كان يستعيذ من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، ودعوة لا تُسمع، فإن القلب الذي لا يخشع: علمه لا ينفع، ودعاؤه لا يسمع.
وفضائل الخشوع كثيرة: فهو يقرب القلب من الله، فيمتلئ نوراً، فينتفع صاحبه بآيات الله الشرعية، والكونية، ويكون له في كل نظرة عِبرة، وعَبْرة. ويقي صاحبه من غوائل العجب والغرور والإدلال والرياء. وبه تُستنزل رحمة الله (تعالى)، وأعظمها: حصول البشرى ((وَبَشِّرِ المُخْبِتِينَ)) [الحج: 34]، وبه ينال الأجر العظيم، فالخشوع طريق الفلاح الموصل إلى الجنة: ((قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ)) [المؤمنون: 1، 2]، ثم قال: ((أُوْلَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ * الَذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) [المؤمنون: 10، 11].
مواطن الخشوع:
الذكر، الدعاء، قراءة القرآن، إقامة الصلاة.
قال (تعالى): ((قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ)).
موجبات الخشوع (الطرق الموصلة إليه):
1- تلقي أوامر الله (تعالى) بالقبول والامتثال، وعدم معارضتها بشهوة أو رأي.
2- الحرص على الإخلاص، وإخفاء الأعمال عن الخلق قدر المستطاع، ومطالعة عيوب النفس ونقائص الأعمال ومفسداتها من الكبر والعجب والرياء وضعف الصدق، والتقصير في إكمال العمل وإتمامه.
3- الإشفاق من رد الأعمال وعدم قبولها.
4- مشاهدة فضل الله وإحسانه، والحياء منه؛ لاطلاعه على تفاصيل ما في القلوب، وتذكر الموقف والمقام بين يديه، والخوف منه، وإظهار الضعف والافتقار إليه والتعلق به دون غيره.
5- طلب هدايته وتوفيقه وتسديده.
6- ومن أعظم الطرق: معرفة الله (جل جلاله) بأسمائه الحسنى وصفاته العلا.. والعلم النافع، وهو: العلم بآيات الله الكونية والشرعية، الذي يربط القلب بالله.
وكذلك الإكثار من ذكر الموت، والجنة والنار، والإكثار من ذكر الله تضرعاً وخِيفة،ودعائه تضرعاً وخُفية، فإن ذلك أعظم إيماناً وأبلغ في الأدب، والتعظيم، والتضرع، والخشوع، والإخلاص، وجمعية القلب على الله (تعالى).
ويمكن تحصيل ذلك كله بالإقبال على كتاب الله الكريم، مع تعاهد التلاوة، وإدامة النظر، وطول التأمل وكثرة التدبر، الذي يورث الصلة بالله (تعالى)، والمسارعة في الطاعات، واستباق الخيرات، وهو الأمر الذي لأجله أنزل الله القرآن الكريم.
علامات الخشوع:
حب الصلاة والاشتياق إليها، والمسارعة إليها، وكونها سهلة خفيفة تشرح الصدر ويطمئن لها القلب.
حضور القلب عند تلاوة القرآن، والذكر والدعاء، وسماع المواعظ والخطب، وتدبر كل ذلك بيسر وسهولة.
دوام الشكر عند حصول النعم واندفاع النقم، وبقاء القلب على وجل من كون ذلك استدراجاً.
دوام الصبر عند وقوع البلاء وتلقيه بالرضى والاستسلام والطمأنينة.
كثرة التدبر والتأمل والتفكر في مخلوقات الله، وفي حال النفس، وأحوال العصاة، والشفقة عليهم، وسؤال الله العافية.
ومما ذكر الله من صفات الخاشعين: الخوف من الله بمجرد ذكر اسمه، والبكاء من خشيته، وعند سماع كلامه، والصبر، وإقامة الصلاة، والإنفاق، وتعظيم شعائر الله، واليقين بملاقاة الله (تعالى)، والمسارعة في الخيرات، ودعاء الله رغَباً ورهَباً.
سئل عبد الله بن المبارك عن بدء زهده قال كنت يوما مع إخواني في بستان لنا وذلك حين حملت الثمار من ألوان الفواكه فأكلنا وشربنا حتى الليل فنمنا وكنت مولعا بضرب العود والطنبور فقمت في بعض الليل فضربت بصوت يقال له راشين السحر وأراد سنان يغني وطائر يصيح فوق رأسي على شجرة والعود بيدي لا يجيبني إلى ما أريد وإذا به ينطق كما ينطق الإنسان - يعني العود الذي بيده - ويقول : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق } قلت : بلى والله ! وكسر العود وصرفت من كان عندي فكان هذا أول زهدي وتشميري.
وأما الفضيل بن عياض فكان سبب توبته أنه عشق جارة فواعدته ليلا فبينما هو يرتقي الجدار إليها إذ سمع قارئا يقرأ، { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } فرجع القهقري وهو يقول : بلى والله قد آن ! فآواه الليل إلى خربة وفيها جماعة من السابلة وبعضهم يقول لبعض : أفضيلاً يقطع الطريق فقال الفضيل : أواه ! أراني بالليل أسعى في معاصي الله قوم من المسلمين يخافونني ! اللهم إن قد تبت إليك وجعلت توبتي إليك جوار بيتك الحرام.
نسألك يا مقلب القلوب أن تُلزم قلوبنا خشيتك، وأن تعمرها بتعظيمك، وتملأها بالذل لك.
منقوووووووووووووول للفائدة.........